هذا بيان للناس - الرحمة في القرآن هدى ورحمة
عبد الله حجازي
قدمت النصوص القرآنية، سواء أكانت آية منفصلة استوفت المعنى كاملاً، أو عدة آيات قدمت تفاصيل وقائع متعددة ومتنوعة ذات علاقة بينية واضحة او يستدعي امر فهمها تأويلاً قد يتصل بأسباب نزول أو استدراك حقائق تبعته او الرجوع او وقائع تقدمته، كل هذا في اطار بيان دلالات تشكلت من صياغة نص أو نصوص تبعث على الدهشة، وتجسد الاعجاز اللغوي الذي يرافق غالبا الاعجاز النبوي في النص القرآني اينما وقع على امتداد القرآن الكريم او الكتاب المكنون.
وكما في غيرها من الألفاظ والمفاهيم أو الدلالات، حظيت «رحمة» على امتداد النص القرآني بايثار واضح من البناء اللغوي والصيغ الاعجازية التي غالباً ما جاءت خاتمة آيات بينات تحدثت عن أحوال الفرد او المجموعة او القوم، لتؤكد الحقيقة المطلقة التي اكدها النص القرآني بان هذه «الرحمة» بما جعل الله تعالى فيها من دلالات «وسعت كل شيء» ذلك أن اللانهائي الذي اشارت اليه «شيء» يؤكد هنا حقيقة مطلقة ان ليس في هذا الكون ما هو خارج فضاء رحمة الله وهذا التحديد الذي جعل «كل شيء» في فضاء رحمة الله تعالى ليس «اختيارياً» فأنا .. وأنت .. وكل شيء وعرفناه أم لم نعرفه واقعون جميعا في فضاء رحمة الله.
يأتي هنا السؤال: ما دامت رحمة الله تعالى، اتسعت حتى استوعب فضاؤها كل شيء فما هو السر الكامن وراء صيغ المجاورة بين الرحمة واسماء وصفات اخرى عزيزة، مثل هدى ورحمة التي تتوقف عندها كأحد نماذج هذه المجاورة بين الرحمة واسماء اخرى، لنقرأ هذا في قوله تعالى في الآية 52 من الاعراف «ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون».
ان بناء هذه الآية كما تقع عليه ابصارنا، ثم يقرأه وعينا، وصولا الى فهم مكوناته واستيعاب دلالته، هذا البناء الذي قامت عليه الآية، وعبر القراءة الظاهرة، تسير بنا الى فهم بسيط تحمله الكلمات التي شكلت هذه الآية:
فالكتاب هنا هو القرآن، وفصلناه بيناه ليفهمه من تدبره على علم منا أي ان بنيته ولدت محصنة بعلم الله تعالى، وهو علم مطلق الكمال لا يأتيه خلل الى ان نصل الى «هدى ورحمة» عندها.. وحين نعي تماما دلالات «الهدى» كما تعلمناه من هذه اللفظة، نتوقف عند ورود «رحمة» التي قد يتبادر الى الذهن انها «اضافية» هنا، فقد كان للمعنى ان يتم ونصل الى المقصد لو توقفنا عند هدى بحيث قد كان ا مكن القول «فصلناه على علم هدى.... لقوم يؤمنون» فلماذا وجبت «ورحمة» هنا؟ إن استكمال ولادة الهدف هنا، في هذا الجزء من الآية الذي يمثل النتيجة التي حملتها هذه الآية، يستدعي ان يأتي بيان يبين مصدر «الهدى» الذي جعله الله تعالى في هذه الآية، فكان كما اراده الله «رحمة» كانت كذلك بذاتها حين اسبغ الله على عباده هؤلاء نعمة الهدى، ثم كانت هذه «الرحمة» .. رحمة بنتائجها هذه النتائج التي جعلها الله مآل الرحمة، وجعل كل ما حازه الإنسان من نعماء الدنيا والآخرة، إنما كان برحمة منه والله أعلم.