ذكرى المولد وحكم الاحتفال بها
الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من البدع الحسنة، وأول من أحدثه ملِك إربل وكان عالمًا تقيًّا شجاعًا يقال له: الملك المظفّر، وذلك في أوائل القرن السابع للهجرة.
جمع لهذا كثيرًا من العلماء فيهم من أهل الحديث والصوفية الصادقين فاستحسن ذلك العمل العلماء في مشارق الأرض ومغاربها.
حتى إن الحافظ ابن دحية قدِم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها يعتني بالمولد فعمل له كتاب "التنوير في مولد البشير النذير".
وتوالى الحافظ على التأليف في قصة المولد فألف شيخ الحفاظ عبد الرحيم العراقي كتابًا في المولد سماه: "المورد الهني في مولد النبي".
فالعلماء والفقهاء والمحدّثون والصوفية الصادقون كالحافظ العسقلاني والحافظ السخاوي والحافظ السيوطي وغيرهم كثير، حتى علماء الأزهر كمفتي الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعي، حتى علماء لبنان كمفتي بيروت السابق الشيخ مصطفى نجا رحمه الله استحسنوا هذا الأمر واعتبروه من البِدع الحسنة فلا وجه لإنكاره بل هو جدير بأن يسمى سنة حسنةً لأن من جملةِ ما شمله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"مَنْ سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجرُ من عمِل بها من بعدِه لا ينقُصُ من أجورهم شىء" رواه مسلم.
هذا وقد استخرج الحافظ العسقلاني لعمل المولد أصلا من السنة النبوية المطهرة واستخرج الحافظ السيوطي أصلا ثانيًا.
ولا يجوز أن يقال كل شىء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء وافق شرعه أم خالفه فهو مردود، لا، بل لا بد من التفصيل لذا قال الإمام المجتهد مجدد القرن الثاني الهجري محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه :"المحدثات من الأمورِ ضربانِ: أحدهما ما أُحدِث مما يخالفُ كتابًا أو سنّة أو أثرًا أو إجماعًا فهذه البدعة الضلالة، والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة".
معناه: إن هناك أمورًا أُحدث توافق الكتاب أو السنة أو الأثر أو الإجماع فهي بدعة حسنة. كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن جمع الناسَ على صلاة التراويح على إمام واحد: "نِعم البدعة هذه". رواه البخاريّ.
ــ من البِدع الحسنة
من ذلك تنقيط المصاحف وكان الصحابة الذين كتبوا الوحي الذي أملاه عليهم الرسول يكتبون الباء والتاء ونحوهما بلا نقط، حتى عثمان رضي الله عنه لما كتبَ ستة مصاحف وأرسلها إلى الآفاق واحتفظ لنفسه بنسخة كانت غير منقوطة.
إنما أول من نقط المصاحف رجل من التابعين من أهل العلم والفضل والتقوى يقال له يحيى ين يعمر وهو أول من وضع حركات الإعراب.
وأما أول من فعل الهمزة والشدّة في المصاحف هو الإمام الحسن البصريّ التابعي الجليل ومع ذلك العلماء ما أنكروا ذلك بل اعتبروا ذلك بدعة حسنة. فهل يقال هذا لم يكن في عهد رسول الله تعالى اكشطوا ذلك من المصاحف اليوم؟!
ــ من البِدع السيئة
ومن البدع السيئة التي تخالف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو موجود في الكتاب المدسوس (مولد العروس) من قولهم: إن الله تعالى قبض قبضة من نور وجهه فقال لها كوني محمدًا فكانت محمدًا.
ومن البدع السيئة أيضًا ما درج عليه بعض المؤذنين من قولهم إن محمدًا أول المخلوقات فهذا يخالف الكتاب والسنّة لأن أول المخلوقات الماء وأما سيدما محمد فهو أفضل المخلوقات.