هذا بيان للناس - الرحمة في القرآن إنه هو البر الرحيم
عبد الله حجازي
انتجت «الرحمة» بحكم صيغتها اللغوية كونها «المصدر» صيغاً عديدة، كانت مرجعيتها دوماً المعاني والدلالات التي قدمها هذا المصدر «الرحمة» وأيّاً كان تنوع الصيغ التي انتجتها الرحمة، بقيت هذه الصيغ على علاقة وثيقة بما جعل الله تعالى في «رحمته» ذلك ان مرجعية هذا المصدر «رحمة» إنما جاءت من هذا الفضل الأعظم الذي تفضل به الله تعالى على «كل شيء» كما أكد قوله عز وجل «رحمتي وسعت كل شيء» ولعل الاتساع هذا كما نقلته الآية هنا إنما جاء من الفضل العظيم الذي جعل الله تعالى في «الرحمة».
ولقد بدا لنا واضحاً كيف ان بنية كل صيغة من صيغ «الرحمة» كما نقلها النص القرآني، كانت تبين لنا مدى هذا الاتساع حين نجد أن «كل صيغة» جديدة، جاءت عليها الرحمة ومع ما كان يجاورها إنما كانت تحمل آفاقاً جديدة من دلالات نقلتها الرحمة في اصل آيات كانت صيغ الرحمة غالبا تأتي في اطار نتيجة لمقدمة تصوغها هذه الآيات، والوقوف عند صيغة «غفور رحيم» التي جاءت على أكبر عدد من غيرها في اطار الصيغ التي تجاورت فيها «رحيم» وهي احدى مشتقات المصدر «رحمة» تبين او لعلها قد تؤشر إلى ان الرحمة إنما اتسع فعلها في اطار المغفرة عن الخطايا التي يقع فيها الإنسان، نجد هذا حين نمعن القراءة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده، لا يدخلنها أحدكم بعمله» قالوا: «حتى انت يا رسول الله» قال عليه الصلاة والسلام: «الا أنا الا ان يتغمدني الله برحمته» مما قد يفيد بان الرحمة هي بوابة المغفرة التي ستفضي الى فتح أبواب الجنة، لتكون هي وهي فقط مالكة هذا المفتاح.
نقول هذا في مقدمة القراءة التي نسعى إليها في قوله عز وجل الذي حملته الآية 28 من سورة الطور: «انا كنا ندعوه انه هو البر الرحيم»، فقد لفت انتباهنا هنا مجاورة «البر» لصيغة الرحيم، الذي جاءت على غير ما جاءت عليه صيغ أخرى عديدة كانت تفعل المغفرة «غفور» أو العزيز «عزيز رحيم» او غير هذا او ذلك من صيغ مجاورة «رحيم» كاسم من أسماء الله الحسنى مع اسم آخر من هذه الأسماء.
قيل في معنى «البر» انها جاءت من الوفاء بالوعد والعهد، أي الأبرار بما وعد، وحين يكون هذا، تأتي البر لتدلل على هذا الوفاء، جاء هذا على لسان «الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان» هؤلاء الذين جاءوا بعد ان ابان النص القرآني حال المتقين «إن المتقين في جنات ونعيم» الآية17، الذين حملت الآيات بعدها وصف حالهم في تلك الجنات الى ان جاءت الآية 20 لتتحدث عن «الذين آمنوا» ومن آمن من ذريتهم ليصف لنا النص أحوالهم في الآية من 21 إلى أن قالوا في الآية 28:
«انا كنا من قبل ندعوه انه هو البر الرحيم» هو سبحانه وتعالى كذلك «البر» لأنه أوفى بوعده حيث قال «ادعوني استجب لكم» وهؤلاء دعوه من قبل «إنا كنا من قبل ندعوه» وها نحن الآن نحصد نتائج دعائنا ذلك انه عز وجل استجاب لما دعوناه لأنه «رحيم» هكذا تجاورت «البر» لتؤكد الوفاء، ثم جاءت الرحيم لتشير إلى أن هذا إنما كان لأنه رحيم، لنجد أنفسنا أمام بعد جديد من أبعاد الرحمة والله أعلم.