أحد والدرس التاريخي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وعلى ءاله وصحبه أجمعين. إن الحديث عن غزوة أحُد فيه الكثير من الدروس والعبر ولا سيما أنها كانت في المراحل الأولى للصراع بين الحق والباطل، بين أهل الإيمان وأهل الإشراك الذين اعتدوا وأفسدوا في الإيذاء.
لما أصيبت قريش بوم بدر ورجعوا منكسرين إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب ءاباؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب من كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا :"إن محمدًا قد وتركم (قتلكم) وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا أن ندرك منه ثأرًا ممن أصاب منا" ففعلوا.
فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحابيشها ومن أطاعها من بني كنانة وأهل تهامة. وخرجت معهم بعض النساء في الهوادج لتشجيعهم ونزلوا ببطن الوادي الذي قبل أحد، وكان رجال من المسلمين لم يشهدوا بدرًا ندموا على ما فاتهم من سابقة بدر وتمنّوا لقاء العدو ليبلا ما أبلى إخوانهم يوم بدر، فلما نزل أبو سفيان والمشركون بأصل أحد فرحوا بقدوم العدو عليهم وقالوا: لقد ساق الله إلينا بأمنياتنا.
ــ مشاورة النبي لأصحابه:
ثم إن رسول الله رأى ليلة الجمعة رؤيا فأصبح فجاءه نفر من أصحابه فأخبرهم الرؤيا وأوّلها بقتل بعض أصحابه ورجل من أهل بيته. ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوا غلينا قاتلتموهم فيها" فقال رجل من المسلمين ممن أكرمهم الله بالشهادة يوم أحد :"يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم". أما عبد الله بن أُبيّ رأس المنافقين فقال: أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم.
ولم يزل الناس الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لامته (أي درعه) وكان يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة، ثم خرج عليهم وقد ندم الناس فقولوا: استكرهناك يا رسول الله ولم يكن ذلك لنا فإن شئت فاقعد صلى الله عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ما ينبغي للنبي إذا ليس لامته أن يضعها حتى يقاتل".
ــ أحداث المعركة:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف رجل من أصحابه حتى إذا كان بالشوط بين المدينة وأحُد انخزل عنه عبد الله بن أُبيّ المنافق بثلث الناس، وكان لواء المسلمين مع الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما سأل الرسول عن لواء المشركين وعلم أنه مع طلحة بن أبي طلحة أخي بني عبد الدار أعطى اللواء لمصعب ابن عمير أخي بني عبد الدار.
ثم خرج رجل من المشركين فدعا إلى البراز، فأحجم الناس حتى خرج له الزبير بن العوام فقتله ثم دعاه الرسول وقال: "إن لكل نبي حواريًّا والزبير حواريي:.
وأمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف والرماة خمسون رجلا وجعلهم نحو خيل العدو، وقال لهم: أيها الرماة إذا أخذنا منازل من القتال فإن رأيتم خيلَ المشركين تحركت وانهزم أعداءُ الله فلا تتركوا منازلكم، إني أتقدم إليكم أن لا يفارقنّ رجل منكم مكانه واكفوني الخيل.
ــ مخالفة أمر النبي:
ثم التقى الجيشان جيش المسلمين وجيش المشركين، وحملت خيلُ المشركين على المسلمين ثلاث مرات، كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مغلولة، وحمل المسلمون فنهكوهم قتلاً، فلما أبصر الرماة الخمسون أن الله عز وجل قد فتح لإخوانهم قالوا: والله ما نجلس ههنا لشىء، قد أهلك الله العدو، وإخواننا في معسكر المشركين، فتركوا منازلهم التي عهد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يتركوها إلا قليل منهم، وتنازعوا وفشلوا، وعصوا الرسول. ولما أبصر المشركون ما فعله الرماة استغلوا الأمر وتوجهوا إلى الجبل انخذوه مكانًا لرمي المسلمين.
ونادى منادٍ أن قتل رسول الله، وسقط في أيدي المسلمين فقتل منهم من قتل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقع في حفرة حفرها بعض المشركين ليقع فيها المسلمون، وأول من تعرف رسول الله كعبُ بن مالك فصاح: يا معشر المسلمين هذا رسول الله فانهضوا.
وكان أُبي بن خلف قد حلف أن يقتل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلما دنا من رسول الله طعنه الرسول في ترقوته بحربته فوقع عن فرسه ولم يخرج من طعنته ثم مات قبل وصوله راجعًا إلى قريش.
وبعد ذهاب العدو انتشر المسلمون يتبعون قتلاهم فلم يجدوا قتيلا إلا قد مثلوا به إلا حنظلة بن أبي عامر الذي كان أبوه من المشركين، ووجدوا عم الرسول حمزة قد قتله وحشي وحمل كبده إلى هند بن عتبة. ودفن الرسول صلى الله عليه وسلم القتلى في أحُد، ثم عادوا إلى المدينة وجميع من استشهد من المسلمين يوم أحد من قريش والأنصار تسعة وأربعون رجلا، وقُتل من المشركين ستة عشر رجلا.
ــ العبرة:
إن التمسّك بأوامر النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم وتعاليمه هو سبيل النجاة والسلامة، وكان الأجدر بمن جعلهم الرسول صلى الله عليه وسلم في جبل أحُد أن يثبتوا في مواقعهم وأن لا يغادروا مواقعهم إلا بإشارة من النبي الأكرم الذي كان عنده من الحكمة والحنكة وبعد النظر والشجاعة ما ليس عند غيره من البشر.
إن ما حصل في غزوة أحد ينبغي أن نقف عنده ونفهم منه ما ينير لنا دربنا، ويجنبنا المزالق والمخاطر، ويجعلنا على ذِكر دائم أن النجاح كل النجاح في اتباع تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم.