غزوة بني القَيْنُقاع
والمكائد اليهودية
قال الله تعالى :{لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داودَ وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وادع حين قدم المدينة يهودَها على ألا يعينوا عليه أحدًا، وأنّه إن دهمَه عدو بها نصروه، فلما قَتَل رسولُ الله من قتل ببدر من مشركي قريش أظهر اليهود له الحسد والبغض وقالوا :"لم يلقَ محمد من يُحسن القتال، ولو لَقينا للاقى عندنا قتالاً لا يشبهُ قتال أحد" وأظهروا كذلك نقض المعاهدة، فجمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم بسوق بني قينقاع وقال لهم: "يا معشر اليهود احذروا من الله عز وجل مثل ما نزل بقريش من النقمة، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم"، قالوا: "يا محمد إنك ترى أنا كقومك، لا يغرنك أنك لقيتَ قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبتنَ منهم فرصة، إنّا والله لئن حاربتنا لتعلمنَّ أنا نحن الناس".
وكان يهود بني القينقاع من أغنياء المدينة وكان لهم فيها حصون، ورغم نُصح النبي استمروا في غيّهم وتحرشهم إلى أن حدث ذات يوم أن امرأة من العرب قدمت ببضاعة لها فباعتها بسوق بني قيقنقاع وجلست إلى صائغ فاجتمع حولها نفر من اليهود يتحرشون بها وطلبوا منها كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشف سوءتها فضحك اليهود منها وسخروا فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، وسرعان ما لجأ اليهود إلى حصونهم استعدادًا للحرب واعتصموا فيها، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يطلع منهم أحد، ثم نزلوا على حكم رسول الله واستسلموا.
ثم أمر بجلائهم وغنَّم الله عز وجل رسوله والمسلمين ما كان لهم من مال، ولم تكن لهم أرضون إنما كانوا صاغة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سلاحا كثيرًا وءالة صياغتهم. فمضى بهم عبادةُ بن الصامت رضي الله عنه حتى بلغ "دِباب".
وهكذا نجى الله عباده المؤمنين من مكر يهود بني قينقاع.
واليهود لعنهم الله كانوا دعاة تفرقة ومصدر فتن، فقد حاولوا غير مرة أن يوقعوا البغضاء الماكرين والشحناء والحقد بين المسلمين. ولا يزال شأنهم حتى يومنا هذا شأن المبغضين الماكرين الذين يكيدون للمسلمين ويتربصون بهم الدوائر ويغتصبون أراضيهم وديارهم ظلمًا وعدوانًا.