الجن حقيقة لا خرافة
د. يوسف بن مصطفى مشعل
إن من أسس العقيدة الإسلامية الإيمان بالغيب، بل هو أول صفة وصف الله عز وجل بها المتقين في قوله تعالى: «آلم* ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين* الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون*» سورة البقرة، الآيات1-3.
ولذا يجب على كل مسلم أن يؤمن بالغيب إيمانا راسيا لا يساوره ريب ولا يعتريه شك، والغيب إنما هو ما غاب عنا وأخبرنا الله به أو رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: (والجن من الغيب الذي يجب أن نؤمن به حيث ثبت بالقرآن والسنة).
ومن الأدلة في الكتاب قوله تعالى: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا» سورة الجن، الآية1، وقوله تعالى: «وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن» سورة الأحقاف، الآية29.
أما عن الأدلة من السنة، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة . ففقدناه . فالتمسناه في الأودية والشعاب . فقلنا : استطير أو اغتيل . قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم . فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء . قال فقلنا : يا رسول الله ! فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم . فقال « أتاني داعي الجن . فذهبت معه . فقرأت عليهم القرآن « قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم . وسألوه الزاد . فقال « لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم ، أوفر ما يكون لحما . وكل بعرة علف لدوابكم « . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم « . وفي رواية : إلى قوله : وآثار نيرانهم . ولم يذكر ما بعده . مسلم(4/170 نووي).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أراك تحب الغنم والبادية ، فإذا كنت في غنمك أو باديتك ، فأذنت للصلاة ، فارفع صوتك بالنداء ، فإنه : ( لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ، ولا شيء ، إلا شهد له يوم القيامة ) رواه البخاري.
وعدم رؤية الجن لا يدل على عدم وجودهم، فكم من شيء لا نراه وهو موجود، فهذا التيار الكهربائي لا نراه وهو يسير في السلك ولكننا نستدل عليه بآثاره في المصباح وغيره، وهذا الهواء الذي نتنفس منه نحس به ولا نراه.
إن الآيات والأحاديث تدل على أن الجن خلقوا من النار، قال تعالى: «وخلق الجان من مارج من نار» سورة الرحمن، الآية15، وروى مسلم وأحمد رحمهما الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم) رواه مسلم (18/123 نووي).
وقد يتساءل البعض إذا كانت الجن مخلوقة من النار فكيف يعذب كافرهم بالنار؟ والجواب على ذلك بأن الإنسان خلق من طين ولكنه الآن ليس طينا بل أصله فقط هو الطين، وكذلك الجن خلقت من نار ولكنها الآن ليست نارا، والدليل على ذلك ما رواه النسائي بإسناد صحيح على شرط البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأتاه الشيطان ، فأخذه فصرعه فخنقه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (حتى وجدت برد لسانه على يدي ، ولولا دعوة سليمان لأصبح موثقا حتى يراه الناس)، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) البخاري (4/282 فتح)، فإن قيل إن المقصود بهذا الحديث هو وسوسة الشيطان، فالرد باتفاق علماء الأصول على أنه لا يجوز صرف الكلام عن ظاهره إلا بقرينة، ولا توجد قرينة هنا، فلو كان باقيا على ناريته لأحرق الإنسان، وأضف إلى ذلك أن الإنسان خلق من طين ويمكن أن يعذب به، والأحسن من ذلك أن نقول: «إن الله على كل شيء قدير» والله أعلم.