في ذكرى ولادة النبي الأعظم
محمد صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين والصلاة والسلام على نبينا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله وصحبه أجمعين.
قال الله تعالى «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم» (سورة التوبة ءاية 128-129).
الله عظّم قدرَ جـاه محمـد * وأنا له فضلا لديه عظيمـا
في مُحْكم التنزيل قال لخلقه * صلّوا عليه وسلموا تسليمـا
في الثاني عشر من شهر بيع الأول من كل عام تطل على المسلمين ذكرى طيبة عطرة، ألا وهي ذكرى مولد حبيب الحق وخير الخلق سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، هذه الذكرى اعتاد المسلمون في سائر الأقطار على إحيائها فيعملون المولد ويتصدقون بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم صلى الله عليه وسلم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم.
قال بعض العلماء ممّن ألف في قصة المولد الشريف: حملت ءامنة بنت وهب برسول الله صلى الله عليه وسلم عشية الجمعة أول ليلة من رجل، وإن ءامنة لما حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ترى الطيور عاكفة عليها إجلالاً للذي في بطنها، وكانت إذا جاءت تستقي من بئر صعد الماء إليها إلى رأس البئر إجلالاً وإعظامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ورُوِي أن ءامنة لما حملتبرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: «ما شعرت أني حملت ولا وجدت له ثقلاً كما تجد النساء إلا أني أنكرت محيضي، وأتاني ءات وأنا بين النوم واليقظة فقال: «هل شعرت أنك حملت؟ فكأني أقول: ما أدري فقال: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ونبيها». قالت: فكأن ذلك ممّا يقّنَ عندي الحمل، فلما دنت ولادتي أتاني ذلك فقال: «قولي أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد». وقالت ءامنة لما وضعته صلى الله عليه وسلم: «لقد علقت به فما وجدت له مشقة، وإنه لما فصل خرج له نور أضاء ما بين المشرق والمغرب ووقع على الأرض معتمدًا على يديه قد شق بصره ينظر إلى السماء وأنه ولد مختونًا مسرورًا، فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: «ليكونن لابني هذا شأن».
وأول احتقفال بهذه الذكرى أحدث في القرن السادس للهجرة وأول من أحدث ذلك الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد وكان له ءاثار حسنة. فهو الذي عمّر الجامع المظفري بسفح قاسيون في دمشق. وقال ابن كثير في تاريخه: «كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً عظيمًا وكان شهمًا شجاعًا بطلاً عاقلاً رحمه الله وأكرم مثواه»، وكان هذا الملك الطيب يذبح ءالافًا من الغنم ويقدم كثيرًا من الحلوى احتفالاً بمولده صلى الله عليه وسلم وقد وافق على ذلك علماء الإسلام في الشرق والغرب، وما أنكر عليه أحد في ذلك الوقت لأنه فعل هذا، وبعد ذلك صار المسلمون يعملون الموالد في مشارق الأرض ومغاربها. والاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم بدعة حسنة ليس بدعة سيئة كما يدعي البعض، ففي هذه الذكرى الشريفة المباركة يكثر الإحسان والعطاء ويجتمع المسلمون ويتلون السيرة الشريفة ويذكرون الله تعالى كثيرًا وكل ذلك موافق لدين الله وليس مخالفًا له.
ــ ما هي البدعة الضلالة؟
وأما ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم ومُحدثات الأمور فإنَّ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة». فمُحدثات الأمور التي ذمّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أُحْدِث على خلاف الكتاب والسنة والإجماع والأثر (وهو كلام الصحابة) هذه هي بدعة الضلالة التي يقول عنها رسول الله: «وكل بدعة ضلالة». وأما الأمور التي أحدثتْ على وفاق القرءان والحديث والإجماع والأثر فليست بدغة ضلالة بل هي السنّة الحسنة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «مَنْ سَنّ في الإسلام سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بعا بعده لا ينقص من أجورهم شىء» رواه مسلم.
ــ تحذير هام:
وأما الكتب المؤلفة باسم المولد فمنها ما فيه الدس والسُّم ومخالفة الرع كما في كتاب «مولد العروس». فمن جملة ما في هذا الكتاب ممّا يجب التحذير منه قول مؤلفه (عن الله تعالى): «وقبض قبضة من نور وجهه فقال لها: كوني محمدا فكانت محمدا». فليعلم أنّ هذا ضلالٌ مبين لأنَّ الله ليس ضوءًا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس ضوءًا ولا جزءًا من الله وإنما الله تبارك وتعالى خلق الور وخلق سيدنا محمدا من طين لأنَّ ءادم أصل البشر عليه الصلاة والسلام خَلَقَهُ الله تعالى من طين، فما يذكره بعض المؤلفين باسم المولد من قولهم عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم «خلق الله من النور القديم نور التهامي» مردود لقول الله تعالى للملائكة عن سيدنا ءادم عليه السلام أول البشر «إني خالق بشرا من طين» (سورة ص ءاية 71). فهل بعد هذا يقال عن أحد من ذريته إنه من نور! وهذا الكتاب ينسب زورًا لابن الجوزيّ وهو ليس له.
ومن الغلو الذي يذكره بعض المؤلفين باسم المولد قولهم: «إنّ محمدًا أول خلق الله» وهذا أيضًا فيه تكذيب لكثير من ءايات القرءان الكريم كقوله تعالى «وجعلنا من الماء كل شىء حي» (سورة الأنبياء ءاية 30)، وكذلك بعض المؤذنين يضيفون على الأذان قولهم: «الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله». وفساد هذا ظاهر لمخالفته القرءان والحديث ولا يجوز قوله في الأذان ولا في غيره. فيا أخي المسلم اجعل هذه الذكرى محطة لك لتتزود منها بما ينفعك لدنياك وأخراك، واقتد بالرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم في حركاتك وسكناتك فهو القدوة الحسنة. ولا تغرنك الحياة الدنيا ولا شهواتها ولا زينتها وزخرفها الفاني، فإنّ النار حفّت بالشهوات وحفّت الجنة بالمكاره.
ربنا انفعنا ببركات حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم وأعد علينا ذكرى مولده بالخير والنصر واليمن والبركات.
وءاخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.