أوصاف سيد العالمين سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم
الحمد لله الذي لم يزل موجودًا بلا مكان، الدائم الباقي الذي لا يجري عليه الزمان، ولا تلحقه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، وصلى الله على سيد الأولين والآخرين القائل: "مَنْ رءاني في المنام فقد رءاني حقًا فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي" فحريّ بنا أيها الأحبة أن نتعلم أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم الخَلْقية والخُلقية فنقول سائلين المولى أن يكرمنا برؤيته: كان صلى الله عليه وسلم رَبعة من الرجال أي مربوع الخلق معتدله لا من قصار الرجال ولا من الطوال، لكنه كان إلى الطول أقرب كما جاء عن أبي هريرة، وكان بعيد ما بين المنكبين أي عريض أعلى الظهر وهو دليل النجابة، والمنكب مجمع العضد والكتف، وفي الصحيح من طريق البراء بن عازب أن شعره كان يبلغ شحمة أذنه، وفي رواية وكان شعره يبلغ شحمة أذنه وكان يضرب منكبيه مرة، وكان يفرق شعره ولا يحلق رأسه إلا لأجل النسك.
وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم أبيض اللون مشربًا بحمرة، وفي صحيح البخاري عن أنس: كان أزهر اللون أي أبيض مشربًا بحمرة، وكان صلى الله عليه وسلم أشْكَلَ العينين أي يخالط بياض عينيه حمرةٌ، وهو محمود مطلوب، وكان شديد سواد العين مع شدة بياضها، شديد سواد الشعر، ولم يكن شعره جعدًا ولا سبطًا بل كان حلقًا حلقًا، وكان كثير شعر اللحية غليظه، وكان أشعر الصدر أي كثيره، رقيق المَسْرُبة وهو الشعر المستدق من السرة إلى محاذاة اللبة، وليس في بطنه وظهره غيره.
وكان صلى الله عليه وسلم شَثِن الكفين والقدمين أي غليظهما من غير قصر ولا خشونة وذلك يستلزم قوة في القبض والمشي وهو محمود في الرجال، والشَّثْن من شَثُنَ غَلُظَ، والكفين تثنية كف وهي الراحة مع الأصابع سميت به لأنها تكف الأذى عن البدن.
وكان صلى الله عليه وسلم يرفع رجليه من الأرض رفعًا قويا لا كمن يمشي اختيالا، ويقارب خطاه، ويقبل بكل جسمه إذا التفت فلا يسارق النظر ولا يلوي عنقه صلى الله عليه وسلم. وكان عرقه أي رشح جسده الشريف كاللؤلؤ أي في البياض والصفاء قال الحافظ العراقي: كأنما عرقـه كاللؤلؤ أي في البياض والصَّفا إذا رئي تجمعه أم سُلَيْم تجعله في طيبها فَهْوَ لعمري أفضله، يقول من ينعته: ما قبلَه أو بعـدَه رأيتُ قط مِثـلَه، وكان ريح عرقه أطيب من المسك، وكانت أم سُلَيْم تجمعه في قارورة وتجعله في طيبها كما رواه مسلم وغيره، وفي بعض طُرُقه وهو أطيب الطيب، وفي حديث وائل بن حجر عند الطبراني والبيهقي: قد كنت أصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يمسّ جلدي جلده ُفأتعرفه بعد في يدي وأنه لأطيب رائحة من المسك، وفي حديثه عند أحمد: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فشرب منه ثم مجّ منه في البئر ففاح منها ريح المسك، فالصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله يا أطيب الخلق وأجمل الناس أمدنا الله بأمدادك ونفعنا ببركاتك في الدنيا والآخرة.
روى أبو يعلى بالإسناد الصحيح عن أنس: كان إذا مرّ في الطريق طريق المدينة وجد منه رائحة المسك فيقال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما عن جماله فقد روى الشيخان عن البراء قال: لم أر شيئًا أحسن منه، وروى ابن سفيان في مسنده عن ابن اسحاق الهمداني: قلت لامرأة حجت مع المصطفى: شبّهيه لي فقالت: كالقمر ليلة البدر، ولم أر قبله ولا بعده مثله، وروى الدارمي: قال أبو عبيدة بن محمد للرُّبيّع بنت معوّذ صفي رسول الله قالت: لو رأيته لقلت الشمس طالعة، وروى أحمد وغيره عن أبي هريرة قال: ما رأيت أحسن من رسول الله كأن الشمس تجري في وجهه، وأخرج الترمذي عن قتادة والدارقطني عن أنس: ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وإن نبيكم أحسنهم صوتًا وأحسنهم وجهًا.
قال هند بن أبي هالة: كان صلى الله عليه وسلم مفخمًا في صدور الصدور وعيون العيون ـ فخمًا أي عظيمًا في نفسه ـ يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر ـ أي يشرق وجهه ويستنير كاستنارة القمر ليلة ولادته وهي ليلة أربعة عشر ـ معتدل الخلق في جميع صفات ذاته، معتدل الصورة الظاهرة ـ بمعنى أن أعضاءه متناسبة ـ عريض الصدر، عظيم الرأس، واسع الجبين ـ أي ممتدة طويلة عريضة وذلك محبوب محمود ـ ضليع الفم ـ أي عظيمه واسعه، والعرب تتمدح به وتذم ضيقه ـ أقنى الأنف ـ أي مرتفع الأعلى ومرتفع الطرف ـ مفلج الأسنان ـ أي مفرج ما بين الثنايا والرباعيات، والفلج أبلغ في الفصاحة لأن اللسان يتسع فيها بخلاف غيره ـ سهل الخدين ـ أي غير مرتفع الوجنتين وذلك أعلى وأحلى عند العرب ـ أشنب ـ أي أبيض الأسنان ـ ليس سمينًا ولا ناحلا ـ فهو معتدل الخَلْق لأنه تعالى حماه خَلْقًا وخلقًا من الإفراط والتفريط ـ، وكان طويل الزَّندين، كان عنقه كالفضة الصافية في اللمعان والضياء والإشراق والجمال، وكان أزجّ الحواجب في غير قرن، وكان بين حاجبيه عرق يدره الغضب أي يحركه ويظهره ويهيجه، كان ضخم الكراديس ـ أي عظيم رؤوس العظام غليظها ـ ذريع المِشْيَة ـ بكسر الميم أي سريع هيئة المشي واسع الخطوة، فهو مع كون مشيه بسكينة كان يمدّ خطوته حتى كأن الأرض تطوى له، قال في المصباح: الذريع كالوسيع وزنًا ومعنى، وفي المفردات: هو الواسع.
وكان صلى الله عليه وسلم خلقه القرءان يرضى بما يرضاه القرءان ويتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه ويلتزم أوامره، ولا يغضب لنفسه إلا إذا ارتكبت محارم الله فإنه ينتقم من مرتكبها.
وكان أشجع الناس أي أقواهم قلبًا وأكثرهم جرأة لملاقاة العدو.
روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أسخى الناس كفا، قال الحافظ العراقي في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ما سئل قطُّ حاجة فقال لا، وليس يأوى منزلا إن فَضَلا مما أتى درهمٌ أو دينـار حتى تريح منهما الأقدار أصدق لهجة وأوفى ذمـة، ألينهم عريكة في الأمة أكرمهم في عشرة لا يحسِب جليسُه أن سواه أقرب حياؤه يربو على العـذراء في خدرها لشدة الحياء نظره للأرض منه أكثـر إلى السماء خافض إذ ينظر أكثرهم تواضـعًا، يجيبُ داعيَه بعيد أو قريب من عبدٍ أو حر فقير أو غنـي، وأرحم الناس بكل مؤمن وطائف يغروه حتـى الهِرّة يُصغي لها الإناء غير مَرة صلى الله عليه وسلم.