النفحات العنبرية في الاحتفال بمولد خير البرية محمد صلى الله عليه و سلم

النفحات العنبرية في الاحتفال بمولد خير البرية

الحمد لله موفق المتقين لشكر النعمة والصلاة والسلام على من أرسله الله للعالمين رحمة.

أما بعد، يقول الله تعالى: {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} [سورة هود]، ففي هذه الآية يخبرنا الله تعالى أن في قصص الأنبياء تثبيتًا للفؤاد حيث إن في قصصهم دروسًا وعبرًا، دروس لنا لكي نتعلم منهم كيف كانوا يتحملون الأذى لنشر الدعوة إلى الله فهم كانوا يتعرضون لمشاق عظيمة وبلايا كثيرة وكانوا لا يقفون عندها بل يستمرون بشكل أقوى وعزيمة أشد، فبذكر هذا تحميس لنا لأن بذكر قصصهم يستعيد القلب القوة والنشاط رغم كل المشاق والمصاعب، انظروا لما كان يفعله المشركون من أذى برسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان النبي يتحمل ويصبر وكان لا يأبه لما كانوا يفعلونه بل كان كالجبال الراسية يقف بوجه كل أهل الكفر والضلال، فلقد تكالبت عليه اليهود وعبدة الأصنام وسائر أهل الكفر مع اختلاف عقائدهم والنبي صلى الله عليه وسلم يتحمل ويعمل لنشر الدين ولا يهتم لكل هؤلاء، كل هذه العبر تجعل في قلوب المؤمنين ثباتًا أكبر وهمة أعلى فكلما تذكرنا النبي وذكرنا قصته كلما بقيت الأمة في صحوة لأن بسرد قصته عليه أفضل الصلاة والسلام تكون النفوس مطمئنة مشحونة بالهمة.

فهؤلاء الذين يحرمون الاحتفال بالمولد الشريف يريدون أن يبعدوا المسلمين عن الدين بالإضافة إلى أنهم لا دليل شرعي عندهم يدل على ما يفترونه بل هناك العكس فلقد ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه وفيه أنزل علي"، ففي هذا الحديث إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي يتجدد فيها نعم الله على عباده، وإن من أعظم النعم التي أنعم الله بها علينا هي إظهاره صلى الله عليه وسلم وبعثته وإرساله إلينا وهذا دليله من قوله تعالى: {لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم}[سورة ءال عمران] أليس هذا تصريحاً أن الله أنعم علينا بهذه النعمة العظيمة الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم، وكذلك مما صح عنه صلى الله عليه وسلم صيام عاشوراء فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا: هو اليوم الذي أظهر الله موسى وبني إسرائيل على فرعون ونحن نصومه تعظيمًا له فقال رسول الله: "نحن أولى بموسى" وأمر بصومه، أخرجه البخاري ومسلم. فيستفاد من هذا الحديث فعل الشكر لله تعالى على ما تفضل به في يوم معين من حصول نعمة أو رفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من نعمة بروز النبي نبي الرحمة؟ ولننظر ماذا يفعل بالمولد هل هناك ما فيه مخالفة للشرع ولنزن الأمور بميزان الشرع لا بميزان الهوى.

ولنفصل الأمور أولا: يقرأ القرءان وفي ذلك موافقة للشرع، وفيه مدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا موافقة للشرع فلقد قال الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في القرءان الكريم{وإنك لعلى خلق عظيم} [سورة القلم] والنبي مدح نفسه فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: "أنا سيد الناس"، وفي حديث ءاخر: "أنا سيد ولد ءادم يوم القيامة ولا فخر".

والاستماع للحادي في المدح جائز لا شىء فيه ففي صحيح البخاري كتاب الأدب باب ما يجوز من الشعر عن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك قال وكان عامر رجلا شاعرًا فنزل يحدو بالقوم يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداءً لك ما اقتفينا وثبت الأقدام إن لاقينا وألقين سكينة علينا.

وأما الإجماع فقد انعقد على استحسان الاحتفال بالمولد فقد ذكر العلماء أن أول من فعل المولد هو الملك المظفر صاحب إربل، وكان يحضر المولد الأكابر من العلماء وغيرهم، وهذا العمل صار معتادًا عند المسلمين ويحصل بفعله خير عظيم وينال أصحابه بركات ونفحات، قيل كان رجل بالبصرة يصنع مولدًا للنبي صلى الله عليه وسلم في كل سنة وكان إلى جانبه رجل يهودي فقالت زوجته: ما بال جارنا المسلم يذهب في كل سنة في مثل هذا الشهر مالا كثيرًا؟ فقال لها: يزعم أن نبيه ولد فيه، فلما نامت تلك الليلة رأت رجلا عليه جلالة ووقار وهيبة وأنوار وهو بين أصحابه يمشي كأنه القمر فقالت لأحدهم: من هذا الكثير الأنوار؟ قال: هذا النبي العربي المختار قالت: أيكلمني إذا كلمته قالوا لها: إنه ليس بمتكبر ولا متجبر فقالت اليهودية: يا محمد فأجابها صلى الله عليه وسلم بعذوبة وبقول لين فقالت: تقول لمثلي هذا القول وأنا على غير دينك، فقال لها: ما قلت لك ذاك إلا وقد علمت أن الله قد كتب لك أن تهتدي فقالت: إنك لنبي كريم وإنك لعلى خلق عظيم امدد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله ثم نذرت في نفسها أنها إذا أصبحت تتصدق بجميع ما تملكه فرحًا بإسلامها وتصنع مولدًا للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما استيقظت من منامها نطقت بالشهادتين ورأت زوجها قد هيأ الوليمة وهو في همة عظيمة فقالت: ما لي أراك في همة صالحة فقال: من أجل الذي أسلمتِ على سببه البارحة قالت: من كشف لك عن هذا السر وأطلعك عليه؟ قال: الذي أسلمتُ بعدك البارحة على سببه.